مقدمة
إن الحصول على المياه هو حقٌّ جوهري من حقوق الإنسان. ومع ذلك، فوفقًا لإحصائيات منظمتي الصحة العالمية واليونيسف، يعيش ٢.٢ مليار شخص (١ من كل ٤ أشخاص) حول العالم دون خدمات مياه شرب مُدارة بأمان، مع ما يترتب على ذلك من آثار مدمرة على حياتهم والمجتمع بشكل عام (منظمة الصحة العالمية/اليونيسف، ٢٠٢٣). أيضًا، يعيش أكثر من ملياري شخص في بلدان تعاني من شحّ مائي، ويواجه ٣.٦ مليار شخص نقصًا في الوصول إلى المياه لمدة شهر واحد على الأقل سنويًا. (المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ٢٠٢١). كما يؤكد البنك الدولي أن الكوارث المرتبطة بالمياه تُشكّل ٧٠٪ من إجمالي الوفيات المرتبطة بالكوارث. (مجموعة البنك الدولي، ٢٠٢٢). ورغم كل ذلك، إلا أنه من المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على المياه بنسبة ٢٠ إلى ٣٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠. (الأمم المتحدة، ٢٠١٨).

- https://www.unwater.org/sites/default/files/2025-01/UN-Water_Water_Facts_one_pager_January_2025.pdf
- https://www.unwater.org/water-facts/water-and-peace
- https://www.unwater.org/water-facts/water-and-peace
التحديات المائية في المنطقة العربية
وفي عالمنا العربي تشير بيانات البنك الدولي إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضم ٦% من سكان العالم وأقل من ٢% من الموارد المائية المتجددة في العالم. وهي بذلك تمثل المنطقة الأكثر جفافا في العالم، حيث تضم أكثر ١٢ بلداً في العالم من حيث ندرة المياه: الجزائر، البحرين، الكويت الأردن، ليبيا، سلطنة عمان، فلسطين، قطر، السعودية، تونس، الإمارات واليمن. وتظهر دراسة أعدها البنك أيضًا استمرت سبع سنوات وانتهت في عام ٢٠٠٩ أن كمية المياه العذبة التي يفتقدها العالم العربي تعادل تقريبًا كمية المياه في البحر الميت بأكمله، ما يجعله أعلى معدل لفقدان المياه العذبة على وجه الأرض خلال ذلك الوقت. ولذلك فأن المنطقة العربية هي الأكثر ندرة في المياه بين جميع مناطق العالم، حيث تقع ١٩ من بين ٢٢ دولةً عربية في نطاق شح المياه (أي تحت عتبة ندرة المياه التي تبلغ ١,٠٠٠ متر مكعب/فرد/سنة). وتحصل ٢١ من ٢٢ دولة عربية على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود. ومع تأكيد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن عام ٢٠٢٤ هو العام الأكثر احترارا على الإطلاق، حيث ارتفعت درجة الحرارة العالمية بمقدار ١.٥٥ درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، فهذا التغير المناخي سوف يزيد من تحديات الامان المائي في المنطقة العربية وهو الأمر الذي يتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة لمواجهة الأزمة المتفاقمة لتأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية.

- https://blogs.worldbank.org/ar/arabvoices/numbers-facts-about-water-crisis-arab-world
- https://news.un.org/ar/story/2025/03/1139926
- https://openknowledge.fao.org/server/api/core/bitstreams/d307fa54-8590-48b4-8ebe-a2aa5389a1a7/content
التغير المناخي والعجز المائي
وفقًا لتقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي بعنوان “الجفاف والعجز المائي” يُفاقم تغير المناخ هذه التحديات المائية بجعل هطول الأمطار أكثر تقلبًا. فعلى الرغم من أن توقعات هطول الأمطار المستقبلية غير مؤكدة إلى حد كبير، إلا أن هناك إجماعًا في نماذج تغير المناخ على أن هطول الأمطار سيصبح أكثر تقلبًا وتطرفًا مع ارتفاع درجات الحرارة. كما حذر تقرير ” المعهد الدولي لإدارة المياه” من أن غياب الإدارة الفعالة للمياه، في ظل التغيرات المناخية، التوسعات الحضرية الناجمة عن النمو السكاني والنشاطات الاقتصادية سوف يفاقم من الإجهاد المائي، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أكثر المناطق التي يعاني فيها ٨٣٪ من السكان لإجهاد مائي مرتفع للغاية. وهذا الاجهاد وتأثيره على انخفاض نصيب الفرد من المياه العذبة والذي يتوقع أن يصل إلى ٣٠٠ متر مكعب سنويًا بحلول عام ٢٠٥٠ نزولاً من ٦٥٠ متر مكعب في عام ٢٠٢٠ يعكس الحاجة الملحة لتبني استراتيجيات فعالة لإدارة الموارد المائية في المنطقة العربية.
- https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/azmt-almyah-fy-mntqt-alshrq-alawst-wshmal-afryqya-tjnb-hrwb-almyah-almhtmlt
- https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2023/04/27/water-scarcity-in-mena-requires-bold-actions-says-world-bank-report
- https://www.fao.org/aquastat/en/
اتجاه توافر المياه | توافر المياه للفرد (متر مكعب/سنة) (تقريبي) | الدولة العربية | م |
ندرة مياه | ٢٥٠ – ٤٤٠ | الجزائر | ١ |
ندرة مياه شديدة | ٢٤٠ | البحرين | ٢ |
توافر متفاوت | بيانات غير مؤكدة | جزر القمر | ٣ |
ندرة مياه شديدة | أقل من ٢٠٠ | جيبوتي | ٤ |
ندرة مياه | ٥٥٠ – ٦٥٠ | مصر | ٥ |
ندرة مياه | ٣٠٠ – ٥٠٠ | العراق | ٦ |
ندرة مياه شديدة | ١٠٠ – ٢٠٠ | الأردن | ٧ |
ندرة مياه شديدة | أقل من ١٠٠ | الكويت | ٨ |
توافر متفاوت | ٧٠٠ – ١٠٠٠ | لبنان | ٩ |
ندرة مياه | ٢٠٠ – ٤٠٠ | ليبيا | ١٠ |
توافر متفاوت | ١٧٠٠ | موريتانيا | ١١ |
ندرة مياه | ٦٠٠ – ٨٠٠ | المغرب | ١٢ |
ندرة مياه | ٥٠٠ | عمان | ١٣ |
ندرة مياه شديدة | ٤٤٥ | فلسطين | ١٤ |
ندرة مياه شديدة | أقل من ١٠٠ | قطر | ١٥ |
ندرة مياه شديدة | ٩٠ | السعودية | ١٦ |
توافر متفاوت | ٤٩٠ | الصومال | ١٧ |
توافر متفاوت | ٧٥٠ | السودان | ١٨ |
ندرة مياه | ٧٠٠ | سوريا | ١٩ |
ندرة مياه | ٤٠٠ | تونس | ٢٠ |
ندرة مياه | ٥٥١ | الإمارات العربية المتحدة | ٢١ |
ندرة مياه شديدة | ٨٣ | اليمن | ٢٢ |
الحلول العربية لمواجهة التحديات المائية
ومع الأخذ في الاعتبار لهذه البيانات التي تؤكد تضاعف حجم الخسائر المادية والبشرية من جراء الاجهاد المائي مثلما أشارت منظمة “الفاو” إلى أن ندرة المياه سيتسبب بخسائر اقتصادية تقدر بـ ٦ إلى ١٤% من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة العربية خلال عام ٢٠٥٠، وهي أعلى المعدلات حول العالم، نجد أن الدول العربية تسعى إلى تبني حلول مبتكرة لمواجهة التحديات المائية، ومن أبرز هذه الحلول ما تقوم به المملكة العربية السعودية من تحلية مياه البحر لمواجهة ندرة المياه، حيث تستثمر بشكل كبير في تقنيات التحلية لتلبية احتياجاتها المائية المتزايدة، مما يقلل من استهلاك المياه العذبة. ولذلك اختارتها لجنة الأمم المتحدة للمياه نموذجًا عالميًا رائدًا لتحقيق مؤشر درجة تنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية، بفضل استثماراتها في تقنيات التحلية وتطوير البنية التحتية المائية.
كذلك قامت جمهورية مصر العربية بالعمل على بناء القدرات والشراكة من أجل مواجهة تأثير التغييرات المناخية على الموارد المائية حيث قامت بتدشين “المركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي” والذي يهدف إلى تنفيذ حزم تدريبية متنوعة في مجالات إدارة المياه، بهدف بناء كوادر، خاصة في أفريقيا، قادرة على التعامل مع تحديات المياه في ظل التغيرات المناخية المتزايدة.
وفي لبنان حيث أحد أعلى مستويات هطول الأمطار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنه يواجه نقصاً في المياه، ويعود ذلك بصورة كبيرة إلى التركز الموسمي للأمطار وعدم كفاية تخزين المياه السطحية. وقد يؤدي تغير المناخ إلى خفض المياه في موسم الجفاف إلى النصف بحلول عام ٢٠٤٠ وزيادة شدة الفيضانات وموجات الجفاف. ولذلك عملت لبنان على تنفيذ المشروع الثاني لإمدادات المياه في بيروت الكبرى لاستكمال البنية التحتية الحيوية للمياه، وتحسين جودتها، والحد من الاعتماد على مصادر المياه الخاصة باهظة التكلفة، فضلاً عن دعم تنفيذ الإصلاحات بهدف تعزيز كفاءة القطاع واستدامته على المدى الطويل.
وفي اليمن تم التعاون مع البنك الدولي في تنفيذ المشروع الطارئ للخدمات الحضرية المتكاملة، والذي يغطي ١٦ منطقة حضرية، فقد أعاد تأهيل أحد أنظمة توفير المياه بالإضافة إلى إعادة تأهيل عدد ١١٣ بئراً، مما أتاح إمكانية الحصول على المياه والصرف الصحي لأكثر من ١.١ مليون يمني. علاوة على ذلك، فقد تم من خلال هذا المشروع تركيب ثمانية أنظمة للطاقة الشمسية الكهروضوئية لآبار المياه المستخدمة في الأغراض البلدية، بالإضافة إلى تركيب ٤٠ نظاماً من أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية لآبار المياه في المجتمعات الريفية.
أما الأردن فوفقًا للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه، فأن كميات الهطول المطري في المملكة تبلغ ٨ مليارات متر مكعب سنويا، في حين تبلغ كمية استهلاك المياه ١.٢ مليار متر مكعب سنويا، أي أن كمية الأمطار التي تهطل على المملكة تبلغ حوالي ستة أضعاف كمية الاستهلاك، لكن الظروف الجيولوجية والمناخية أدت إلى فقدان معظم هذه المياه، ومن هنا تبرز أهمية الحصاد المائي للاستفادة من المياه. ولذلك أطلقت الأردن الاستراتيجية الأردنية لتمكين الشباب والمرأة في قطاع المياه لأعوام ٢٠٢٥-٢٠٢٨، وهي تمثل تحولا نوعيًا تجاه إدارة المياه، من خلال تحويل المواطنين إلى مشاركين فاعلين، وإشراكهم في عمليات صنع القرارات المتعلقة بالمياه. أيضا تعاون الأردن مع البنك الدولي لتحسين كفاءة الخدمات المائية من خلال إعادة تأهيل شبكات توزيع المياه، وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، وتعزيز منظومة إدارة الجفاف في المملكة، وتعزيز قدرة البلاد على الصمود في مواجهة الصدمات المناخية.
دور الشباب العربي في مواجهة التحديات المائية
يلعب الشباب دورًا حاسمًا في مواجهة التحديات المائية في المنطقة العربية من خلال الابتكار وريادة الأعمال البيئية. يمكن للشباب قيادة التغيير عبر تطوير مشاريع ريادية تركز على الاستدامة البيئية، مثل تقنيات الري الذكي والزراعة العمودية. ريادة الأعمال البيئية، والتي تتيح للشباب إنشاء شركات ناشئة تساهم في توفير حلول مبتكرة لإدارة الموارد المائية. حيث يمكن للشباب تطوير أنظمة ري ذكية تستخدم تقنيات الاستشعار والذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، مما يقلل من الهدر ويزيد من الإنتاجية. كذلك تلعب التمويلات البيئية دورًا مهمًا في دعم ريادة الأعمال البيئية ويمكن للشباب الاستفادة من برامج التمويل والدعم المقدمة من المنظمات الدولية والحكومات المحلية لتمويل مشاريعهم المائية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشباب المشاركة في برامج التدريب والتوجيه التي تقدمها المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التعليمية لتعزيز مهاراتهم الريادية والبيئية. من خلال هذه الجهود، يمكن للشباب أن يكونوا قوة دافعة نحو مستقبل مائي أكثر استدامة وأمانًا في المنطقة العربية. وفي اعتقادي، أننا يمكننا مواجهة هذه التحديات، عبر اقتراح مشروع إقليمي متكامل لتحلية مياه البحر الأحمر باستخدام الطاقة المتجددة، تحت مسمى “مشروع المياه العربية”. ويهدف هذا المشروع إلى توفير المياه للدول العربية عبر التعاون الإقليمي في تحلية مياه البحر الأحمر باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. يمكن أن يكون هذا المشروع برعاية جامعة الدول العربية، ويشمل إنشاء محطات تحلية مياه تعمل بالطاقة المتجددة على طول ساحل البحر الأحمر، مما يساهم في تحقيق الأمن المائي للدول العربية.
الخاتمة
تواجه المنطقة العربية تحديات مائية كبيرة نتيجة للتغيرات المناخية، ولكن من خلال تبني حلول مبتكرة ومستدامة، يمكن تحسين إدارة الموارد المائية وتعزيز الأمن المائي. كما إن إشراك الشباب سوف يكون له دورًا حاسمًا في قيادة التغيير من خلال الابتكار، التوعية، والمشاركة في صنع القرار. فإذا تم تمكينهم وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة، يمكنهم أن يكونوا قوة دافعة نحو مستقبل مائي أكثر استدامة وأمانًا في المنطقة العربية.
https://www.spa.gov.sa/en/N2279532
https://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2022/08/23/rainwater-harvesting-in-yemen-a-durable-solution-for-water-scarcity
https://projects.worldbank.org/en/projects-operations/project-detail/P504170
https://www.mfa.gov.eg/ar/ForeignPolicies/WaterIssues
https://www.narc.gov.jo/Ar/
https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2023/06/18/estimated-1-6-million-people-in-jordan-to-benefit-from-new-project-to-tackle-jordan-s-water-crisis-and-build-climate-res