عطش قادم: كيف يجتاح التغير المناخي منابع الحياة في العالم العربي؟

 

 عطش قادم: كيف يجتاح التغير المناخي منابع الحياة في العالم العربي؟

اسيد دويكات_ منصة كلمات

في الوقت الذي يخشى فيه الكائن البشري من أحداث متسارعة، تتراوح بين الموت والقصف في مكان ما، والإعصار والدمار في مكان آخر، يغيب عن ذهن الكثيرين كارثة حقيقية تُبيدنا جميعًا دون إنذار مسبق، وتقتل مصدر حياتنا الوحيد والأساسي.

بالنظر الى البحر الميت مثلا، كونه الأقرب إلينا نحن الفلسطينيين، نلمس خطورة فقداننا لجوهرتنا الزرقاء، تلك التي  اعتدنا أن نمتع أعيننا بها ونرسم خيالات وأفكارًا أمام امتداده الأزرق،  انخفاض مستمر لمياهه، وبالتالي تأثيرا مباشرا على حركة السياحة فيه وضرب العتصر الاقتصادي للمنطقة من جهة، وتأثيره على المنطقة كلها بيوجليا من جهة اخرى.. إذا كان هذا بحراً واحداً، فما بالك في منطقتنا العربية كلها؟

 

لطالما تعلمنا في مدارسنا البريئة أبجديات من الألف إلى الياء، وأهمية الماء وكينونته فينا، كمنطقة عربية أو حتى كعالم يتجه نحو منحدرات مخيفة في التطور والاختلاف التكنولوجي أو الصناعي.

إنه الوقت المناسب لتوجيه أقلامنا نحو أنفسنا، نحن الذين نشعر بحجم مصيبتنا، إن استمر الحال دون “قعدة” عربية، نتحدث فيها من خلال حروفنا عنا، وعن أرضنا التي تُسلب منا مناخيًا بسببنا، إن لم نضع استراتيجيات سوية تقودنا إلى حلول أكثر هدوءًا واستقرارًا.

هذه مياهنا التي تشكل أساس حياتنا، وتلعب دورًا مركزيًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، التي تعاني أصلا من ندرة المياه بشكل عام. يُمثل التغير المناخي تهديدًا كبيرًا للأمن المائي، مما يضع تحديات جسيمة أمام الحكومات والمجتمعات المحلية لفهم هذا الأثر، ليصبح ضرورة ملحة لتطوير استراتيجيات فعالة للتكيف مع المتغيرات المناخية.

لماذا المنطقة العربية؟

في منطقة تشهد تصحرًا متزايدًا، وتنامي سكانها سريعًا، تصبح الحاجة إلى إدارة المياه فيها أكثر إلحاحًا وضرورة، حيث يعتمد سكانها على الزراعة من جهة، والصناعات المختلفة من جهة أخرى، ناهيك عن الاستخدامات اليومية الواسعة، التي ترتكز جميعها على المورد المائي كمتكأ أساسي، لذا، تبرز أهمية المياه كعامل محوري في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

حيث ” يفتقر ما يقرب من 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية ويعيش 390 مليون شخص في المنطقة- أي ما يقرب من 90 في المائة من إجمالي عدد السكان- في بلدان تعاني من ندرة المياه” بحسب ما  أكدته رولا عبد الله دشتي، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في نيويوك.[1]

وقد بلغ متوسط حصة الفرد العربي من المياه في العديد من الدول العربية حوالي 500 متر مكعب سنويًا، مما يجعل 19 دولة تقع تحت خط الفقر المائي (أقل من 1000 متر مكعب للفرد سنويًا)، ومن بين هذه الدول، تعاني 14 دولة من شح حقيقي في المياه، حيث لا تلبي الاحتياجات الأساسية لمواطنيها. نظرًا لموقعها الجغرافي في المناطق الجافة وشبه الجافة، فإن 30% من الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة معرضة للتصحر بسبب نقص المياه.[2]

أرقام تنذر بخطر مقبل

ولكي نخرج بنتائج عملية، لا بد من استعراض  أهم المصادر المائية التي تعتمد عليها الدول العربية، تبدأ هذه المصادر بالمياه التقليدية، التي تشمل مياه الأمطار، والتي تعتبر أساسية للعديد من الدول مثل المغرب والجزائر وتونس وسوريا ولبنان والعراق والصومال والسودان والأردن[3]. أما عن هطول الأمطار السنوي في المنطقة فهو ما بين 2100 إلى 2300 مليار متر مكعب، ويُلاحظ أن 60% من الأمطار تهطل في فصل الصيف، بينما تُسجل 40% منها في فصل الشتاء، مما يؤثر بشكل كبير على الزراعة والاقتصاد في تلك الدول[4].

وبالنظر الى الموارد المائية المتجددة في العالم العربي بنحو 350 مليار متر مكعب سنويًا، يأتي 35% منها عبر الأنهار من خارج المنطقة. ومن أبرز هذه الأنهار نهر النيل، الذي يمتد عبر عشر دول ويعتبر شريان الحياة لمصر، بالإضافة إلى نهري دجلة والفرات اللذين يعبران تركيا وسوريا والعراق.

أما بالنسبة للمياه الجوفية في العالم العربي، فهي تُقدّر بنحو 7734 مليار متر مكعب، لكن المتاح فعليا منها لا يتجاوز 35 مليار متر مكعب سنويًا. وتتوزع هذه المياه في عدة أحواض، منها حوض النوبة وحوض شرق العرا وحوض الديسي، التي تمثل مصادر حيوية لمواجهة شح المياه[5].

وتعتمد دول الخليج العربي بشكل كبير على تحلية مياه البحر كمصدر غير تقليدي للمياه، حيث تمثل تحلية مياه البحر 75% من مياه الشرب.

تأثيرات التغير المناخي على الموارد المائية

يتسبب تغير المناخ في المنطقة العربية في ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار، بالاضافة الى ذلك، سجلت العديد من الأنهار، [6]مثل نهر النيل والفرات انخفاضات كبيرة في مستويات المياه، مما يعكس الاثار المباشرة لتغير المناخ.

ولا يقتصر الأمر على أن زيادة معدلات التخبر تقلل من مستويات رطوبة التربة، مما يزيد من تواتر حالات الجفاف ويزيد من احتمالية التصحر، بل ان عدم كفاية رطوبة التربة يؤدي الى انخفاض معدلات تغذية المياه الجوفية بسبب انخفاض معدلات التسرب.

وبسبب ارتفاع معدلات التبخر، تنخفض مستويات الرطوبة في التربة، مما يزيد من تكرار حالات الجفاف ويعزز احتمالات التصحر، بالاضافة الى أن نقص الرطوبة في التربة يؤدي إلى انخفاض معدل التغذية للمياه الجوفية بسبب انخفاض نسبة الترشيح.

علاوة على ذلك، يؤثر التغير المناخي على مستويات البحر، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع سطح البحر إلى تدهور نوعية ووفرة المياه في المناطق الساحلية. هذا الارتفاع قد يسبب تسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، مما يؤثر سلبًا على جودتها، “كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يعيق دورة المياه تحت سطح المناطق الساحلية، مما يؤدي إلى انخفاض تدفق المياه العذبة وتقليل المساحات المائية العذبة”.[7]

من جهة أخرى، يساهم ارتفاع مستوى سطح البحر في زيادة المياه في خزانات المياه الجوفية، مما قد يعزز نسبة الجريان السطحي، لكن ذلك يكون على حساب تغذية الخزانات الجوفية.

الأمن المائي والنزاعات

اللافت في مسأله المياه بأنها لا تقتصر على ندرتها أو صعوبة استغلال الموجود منها فحسب، انها مصدر اساسي للحياه، سيكون من الطبيعي النزاع عليها أو حتى وجود نقاط خلاف تخصها، “حوض النيل، على سبيل المثال: يشهد توترات بين دول المنبع والمصب بسبب مشروعات السدود والتغيرات المناخية التي تؤثر على تدفق المياه”[8].

تعد قضية المياه حساسة للغاية، فهي التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالامن القومي واستقراره، وهدوء المنطقة او اشتعالها، ولا بد من ذكر أن عوامل اخرى جوهرية لها من المسببات ايضا، لكن تبقى فكرة المياه هي الاسمى والاكثر خطورة بينهم، وهذا ما يعزز أهمية تبني استراتيجيات فعالة وناجحة لادارة المياه، في وقت تعاني فيه البلاد من امور عديدة اصلا.

رؤى مستقبلية ناجحة

لا بد من فكر عربي سامي وأصيل يرتقي بأبنائه إلى محطة أكثر أمانًا وسلامة، ويضع أسسًا للتكيف من خلال تحسين إدارة الموارد المائية الأكثر نجاحا كتطبيق تقنيات الزراعة الذكية، الري بالتنقيط، التوجه نحو المحاصيل المقاومة للجفاف..الخ، فهي الأنسب لتحقيق إنتاجية أفضل وترشيد استهلاك المياه بشكل مقنع.

بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر المشاركة الكاملة، بدءًا من تبادل الخبرات وصولًا إلى الأفكار المستدامة والقابلة للتطبيق، ولا بد من التركيز على دور التكنولوجيا الفعّال في تحلية المياه، واستخدام المياه المعالجة، حيث أصبحت هذه التقنيات أقل تكلفة وأكثر سهولة ويسر، وكل ذلك يمكن أن يسهم في تحقيق الأمن المائي بشكل أفضل.

ولنتذكر أن الحلول ليست بيد الحكومات فحسب، بل انها ثقافة وامل يدرس لاطفالنا قبل شبابنا، فلا بأس بحملات توعية مكثفة، وورشات عمل طويلة منظمة، نخرج بعدها بمشكلة محددة واضحة، وحل لامع ومرموق، وتوجيه المواهب الشبايبة نحو التغير المناخي واشكاله، فان الرسم والغناء والشعر وغيرهم، اساليب أكثر قربا للقلب الشاب، من تلك المجلدات الجامدة، بالتالي توعية كاملة بكافة السبل المتاحة والمبدعة يؤدي الى تحييد المشكلة وعلاجها خطوة بخطوة، وصولا الى حلول مشتركة مدروسة، تعطي نتائج فعلية ايجايبة.

[1] “المصدر: الأمم المتحدة، ‘التغير المناخي في العالم العربي: التحديات والحلول’، 2023، https://news.un.org/ar/story/2023/03/1119197.”

[2] “المصدر: الجزيرة، ‘شح المياه في الوطن العربي: الخطر القادم’، 20 مارس 2008، https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2008/3/20/%D8%B4%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%85.”

[3] عبد العزيز محمد محمد. مشكلة المياه في الوطن العربي. مكتبة النور، 2001، ص. 45.

[4] عبد العزيز محمد محمد. مشكلة المياه في الوطن العربي. مكتبة النور، 2001، ص. 78

[5] عبد العزيز محمد محمد. مشكلة المياه في الوطن العربي. مكتبة النور، 2001، ص. 122

[6] معين حداد. التغير المناخي: الاحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2015، ص96

[7] معين حداد. التغير المناخي: الاحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2015، ص 102.

[8] فواز أحمد الموسى. جغرافيا البيئةوالتخطيط البيئي. دار الفكر العربي، 2018، ص.83

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *