أمل الأرض في زمن الحرب: شباب يواجهون المناخ والحروب لإنقاذ المستقبل
الكاتب: محمد فتح الرحمن محمدأحمد
ناشط في مجال تغيير المناخ
مقدمة:
لا يمكن إنكار حقيقة أن تغير المناخ بات واحداً من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الواحد والعشرين. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الظاهرة لا يتوزع بالتساوي على جميع المناطق؛ إذ تتركز أشد الآثار في الدول التي تعاني بالفعل من هشاشة اقتصادية وسياسية بسبب الحروب والنزاعات المسلحة. في مثل هذه الدول، تواجه المجتمعات تحديات مضاعفة، تجمع بين ضغوط التغير المناخي والنزاعات المستمرة، مما يجعل من الصعب تحقيق التنمية المستدامة. في هذا السياق، يلعب الشباب دوراً رئيسياً وحاسماً في قيادة الجهود الرامية إلى مواجهة هذه التحديات وإيجاد حلول مبتكرة. سنستعرض في هذا المقال التحديات البيئية التي تواجه الدول المتأثرة بالنزاعات المسلحة، والدور المتزايد للشباب في اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة هذه المشاكل، بالإضافة إلى عرض الحلول الممكنة لتعزيز مشاركتهم.
التحديات المشتركة بين النزاعات وتغير المناخ
الدول التي تتأثر بالحروب والنزاعات المسلحة تعاني بشكل خاص من آثار تغير المناخ، حيث تتداخل هذه التحديات لتفاقم الوضع البيئي. أحد أبرز التحديات في هذه الدول هو ندرة الموارد الطبيعية، لا سيما المياه. فعلى سبيل المثال، تعاني اليمن من انخفاض حاد في مستويات المياه الجوفية بسبب التغير المناخي، مما يزيد من تعقيدات الحياة في ظل الحرب. أظهرت دراسة للأمم المتحدة أن أكثر من 60% من سكان اليمن يعانون من نقص في المياه الصالحة للشرب، وهي أزمة تفاقمت بسبب الحرب المستمرة والتغيرات المناخية (UNDP, 2020).
إلى جانب ندرة المياه، تشهد المناطق المتأثرة بالنزاعات تصاعداً في التصحر، مما يؤثر بشكل كبير على الأراضي الزراعية. على سبيل المثال، السودان يشهد توسعاً في ظاهرة التصحر مع انخفاض في إنتاجية الأراضي الزراعية، وهو ما يزيد من التوترات الاجتماعية بين المجتمعات التي تعتمد على الزراعة والرعي. تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أن التصحر يؤدي إلى تشريد المجتمعات الريفية وزيادة النزاعات المحلية حول الموارد، مما يعمق من تأثيرات الحرب والمناخ معاً (UNDP, 2021).
أثر النزوح على البيئة وزيادة الضغط على الموارد
إلى جانب الأزمات المرتبطة بندرة الموارد الطبيعية، تزداد مشكلة النزوح الداخلي في الدول المتأثرة بالنزاعات. فالنزاعات المسلحة تؤدي إلى تهجير الملايين من السكان، مما يفرض ضغوطاً إضافية على البيئة والنظم البيئية المحلية. في السودان، على سبيل المثال، أدى النزاع المستمر منذ ابريل 2023 إلى نزوح أكثر من 10.9 مليون شخص داخلياً، مما أدى إلى زيادة الضغط على الموارد الطبيعية في المناطق المستضيفة(UN OCHA 2024). النزوح القسري يساهم في تدهور الأراضي الزراعية والغابات، مما يعمق من تأثيرات التغير المناخي.
الحلول الممكنة لتعزيز دور الشباب في مواجهة التحديات البيئية
على الرغم من هذه التحديات المعقدة، هناك فرص كبيرة لتعزيز دور الشباب في مواجهة هذه المشاكل من خلال حلول مبتكرة ومستدامة. أحد أهم الحلول هو التوعية والتعليم البيئي. الشباب في الدول المتأثرة بالنزاعات قد لا يكون لديهم الفرص الكافية للوصول إلى تعليم بيئي متكامل، ولكن من خلال المبادرات المجتمعية والتعاون مع المنظمات الدولية، يمكن توفير برامج تدريبية لرفع مستوى الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والتكيف مع التغير المناخي. على سبيل المثال، في جنوب السودان، قامت منظمة اليونيسف بتنفيذ برامج توعية للشباب حول أهمية الحفاظ على المياه والزراعة المستدامة في مواجهة التصحر، مما ساهم في تقليل استخدام المياه بشكل غير مستدام (UNICEF, 2022).
التكنولوجيا والابتكار: أدوات فعالة للشباب في مواجهة تغير المناخ
يعتبر الابتكار والتكنولوجيا من أقوى الأدوات التي يمكن أن يستخدمها الشباب في الدول المتأثرة بالنزاعات لمواجهة التغير المناخي. على سبيل المثال، في اليمن، تم تطوير حلول تقنية مبتكرة لاستغلال المياه بشكل أكثر كفاءة من خلال أنظمة الري الذكية. تعتمد هذه الأنظمة على تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد للتحكم في استهلاك المياه، مما يساعد على التخفيف من آثار شح المياه نتيجة لتغير المناخ (Nature, 2023). مثل هذه الحلول التكنولوجية يمكن أن يتم تطويرها وتعزيزها على نطاق أوسع في الدول المتأثرة بالنزاعات، خصوصاً إذا تم دعم الشباب بالموارد اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام منصات التواصل الاجتماعي كأداة قوية لنشر الوعي وتعزيز التغيير. الشباب في الدول المتأثرة بالنزاعات لديهم الفرصة لنقل أصواتهم إلى العالم من خلال المنصات الرقمية مثل “تويتر” و”إنستغرام”. هذه المنصات تتيح للشباب فرصة مشاركة التحديات التي تواجه مجتمعاتهم والمبادرات التي يقومون بها للتصدي لهذه التحديات. على سبيل المثال، في السودان، قاد الشباب حملات توعية عبر الإنترنت حول أهمية إعادة تشجير المناطق المتضررة من التصحر، وجذبت هذه الحملات دعمًا دوليًا من منظمات بيئية عالمية (Youth for Climate Global Forum, 2023).
التشبيك وبناء التحالفات الشبابية الدولية
إحدى الطرق الأكثر فعالية لتعزيز دور الشباب في مواجهة التغير المناخي هي بناء التحالفات الدولية بين الشباب من الدول المتأثرة بالنزاعات. هذه التحالفات توفر منصة لتبادل الأفكار والخبرات والحلول المبتكرة. في مؤتمر الشباب العالمي للمناخ (Youth for Climate Global Forum)، تم تشكيل تحالفات شبابية بين دول مثل السودان واليمن وسوريا، حيث تمكن الشباب من تبادل الحلول المستدامة التي تم تطبيقها في مجتمعاتهم، مما أسهم في تعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات البيئية. هذه التحالفات ليست مجرد أدوات للتعاون الدولي، بل تمثل أيضًا منصة للمناصرة على مستوى عالمي، حيث يتمكن الشباب من إيصال أصواتهم إلى المحافل الدولية مثل مؤتمر الأطراف (COP) للمناخ.
تمكين الشباب من المناصب القيادية والسياساتية
إشراك الشباب في عملية صنع القرار هو خطوة حاسمة نحو مواجهة التغير المناخي بشكل فعال. الحكومات والمؤسسات الدولية بحاجة إلى توفير منصات للشباب لعرض آرائهم والمشاركة في صياغة السياسات البيئية. على سبيل المثال، في مؤتمر COP28، كان هناك تركيز كبير على إشراك الشباب في الحوارات العالمية حول المناخ. وقد ساهمت هذه المشاركة في تسليط الضوء على القضايا البيئية الخاصة بالدول المتأثرة بالنزاعات، مما جعلها جزءًا من الأجندة العالمية للمناخ (UN, 2022).
الشباب في الدول المتأثرة بالنزاعات بحاجة إلى دعم مستمر ليتمكنوا من التحول من مجرد مشاركين إلى قادة في مكافحة التغير المناخي. على سبيل المثال، يمكن للحكومات والمؤسسات غير الحكومية دعم الشباب من خلال تقديم منح دراسية وتدريبات متخصصة في المجالات البيئية. هذه المبادرات ستساعد الشباب على تطوير مهاراتهم القيادية وتنفيذ مشاريع بيئية مجتمعية تساعد في التصدي للتحديات المناخية المحلية.
دراسات حالة: نماذج ناجحة لدور الشباب في مواجهة تغير المناخ
لن يكون النقاش حول دور الشباب في مواجهة التغير المناخي في الدول المتأثرة بالنزاعات كاملاً دون تسليط الضوء على بعض دراسات الحالة الناجحة التي أظهرت كيفية تأثير الشباب في تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل.
- السودان: التشجير ومكافحة التصحر في المناطق الريفية
في السودان، الذي يواجه تحديات مزدوجة من التصحر والنزاعات المسلحة، تلعب مبادرات الشباب دورًا مهمًا في مكافحة التصحر وإعادة الحياة إلى الأراضي المتضررة. مجموعة من الشباب السودانيين قامت بقيادة مبادرة تحت شعار “الغابة الخضراء” لزراعة الأشجار في مناطق دارفور وكردفان المتأثرة بالحرب. كان الهدف من هذه المبادرة هو مكافحة التصحر الذي يتزايد بسبب تغير المناخ، مما يساعد في تقليل هجرة السكان الريفيين الذين تعتمد حياتهم على الزراعة. بدعم من منظمات محلية ودولية، تمكنت هذه المبادرة من زراعة أكثر من 50 ألف شجرة في مناطق مختلفة، مما أسهم في تحسين نوعية التربة وزيادة الوعي البيئي بين السكان المحليين .
- اليمن: مبادرة الشباب لتقنيات الري الذكية
في اليمن، الذي يعاني من نقص حاد في المياه نتيجة لتغير المناخ والحرب المستمرة، قام فريق من الشباب بتطوير حلول مبتكرة للتعامل مع شح المياه. أسس هؤلاء الشباب مبادرة تحت مسمى “ري المستقبل”، والتي تعتمد على تقنيات الري الذكية التي تقلل من استهلاك المياه في الزراعة. تعتمد المبادرة على تركيب أنظمة استشعار لرطوبة التربة والتي توجه المياه فقط إلى النباتات التي تحتاج إليها، مما يقلل من الهدر ويحسن الإنتاجية الزراعية. هذه المبادرة تم تنفيذها في بعض المناطق الريفية الأكثر تضرراً من النزاع، وساعدت في الحفاظ على الموارد المائية وزيادة إنتاج الغذاء في تلك المناطق .
- سوريا: إعادة بناء الزراعة في المناطق المتضررة من النزاع
في سوريا، حيث دمرت الحروب الأهلية الممتدة أجزاء كبيرة من البنية التحتية الزراعية، قامت مجموعات شبابية بتطوير مبادرات لإعادة إحياء الزراعة باستخدام تقنيات الزراعة المستدامة. مبادرة “الزراعة المجتمعية”، التي قادها شباب من مدينة درعا، كانت تهدف إلى إعادة استخدام الأراضي الزراعية التي تم تدميرها جراء النزاع. استخدموا تقنيات مثل الزراعة المائية وزراعة الأسطح لإنتاج محاصيل غذائية مستدامة، مما أسهم في تحسين الأمن الغذائي في المناطق المحاصرة والمتضررة. هذا العمل ليس فقط ساهم في تحسين الوضع البيئي، ولكنه أيضاً أسهم في تخفيف العبء الاقتصادي والاجتماعي على السكان المحليين .
- الصومال: مواجهة التصحر من خلال برامج التعليم البيئي
في الصومال، البلد الذي يعاني من الجفاف والتصحر نتيجة لتغير المناخ والنزاعات المسلحة، قاد الشباب جهودًا تعليمية لمكافحة التصحر من خلال التعليم البيئي. في إطار مشروع “المدارس الخضراء”، تم تنظيم برامج تعليمية تستهدف الأطفال والشباب لزيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والتصدي للتصحر. تم تدريب الطلاب على زراعة الأشجار واستخدام تقنيات الزراعة المستدامة. بدعم من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، أسهمت هذه البرامج في تحسين جودة الأراضي الزراعية في بعض المناطق القاحلة من الصومال وتوفير مصدر دخل جديد للمجتمعات المحلية .
- مالي: الطاقة الشمسية كحل لمشكلة النزاعات والمناخ
في مالي، حيث تتقاطع النزاعات المسلحة مع تحديات تغير المناخ، أسس الشباب مبادرة “شباب من أجل طاقة مستدامة”، وهي مبادرة تهدف إلى توفير الطاقة الشمسية للمجتمعات المتأثرة بالصراعات. الشباب في هذه المبادرة قاموا بتركيب ألواح شمسية في قرى نائية لا تصلها الكهرباء، مما ساعد في توفير الطاقة للمنازل والمدارس والمراكز الطبية. هذا المشروع ليس فقط ساهم في تحسين الظروف المعيشية، ولكنه أيضاً أسهم في تقليل الاعتماد على الحطب والفحم كوسيلة للطاقة، مما قلل من إزالة الغابات في تلك المناطق التي تتعرض بالفعل لضغوط بيئية كبيرة بسبب تغير المناخ .
الخاتمة: نحو تمكين أكبر للشباب
في النهاية، يمكن القول إن الشباب في الدول المتأثرة بالنزاعات المسلحة يلعبون دوراً مركزياً في مواجهة التغير المناخي، رغم التحديات الكبيرة التي يواجهونها. من خلال التعليم، التكنولوجيا، التشبيك، وتمكينهم من المشاركة في صنع القرار، يمكن للشباب أن يقودوا جهود التصدي للتغير المناخي في مجتمعاتهم، ويسهموا في بناء مستقبل أكثر استدامة. دعم الحكومات والمنظمات الدولية لهذه الجهود سيكون حاسماً في تحقيق هذا الهدف.
المصادر:
- الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). “التقرير الخاص بتغير المناخ والمياه”.
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). “تأثير النزاعات المسلحة على الموارد الطبيعية”، 2020.
- مكتب تنسيق الشوؤن الإنسانية للأمم المتحدة (UN OCAH 2024)، “المستجدات الانسانية في السودان”، 2024.
- مركز التميز العربي لأبحاث المناخ. “دور التعليم في مواجهة تغير المناخ”، 2022.
- منتدى الشباب العالمي للمناخ. “تمكين الشباب في مواجهة التغير المناخي”، 2023.
- اليونيسف (UNICEF). “التكنولوجيا المبتكرة للشباب في اليمن لمواجهة شح المياه”، 2022.
- مجلة نيتشر (Nature). “التكنولوجيا والابتكار كأدوات للشباب في التصدي للتغير المناخي”، 2023.
- الأمم المتحدة. “مشاركة الشباب في COP28: قصص نجاح من الدول المتأثرة بالنزاعات”، 2022.

خريج صيدلة وباحث في الصحة العالمية، له خبرة عملية في منظمات غير حكومية وجمعيات خيرية، ومدافع عن حقوق الإنسان يعمل في السودان لتقديم خدمات إنسانية خلال النزاعات. ناشط في تغيّر المناخ والسلام، يركز على بناء القدرات وتمكين الشباب، وله أكثر من 12 بحثًا منشورًا في مجلات دولية محكّمة.