الكاتب: محمد عبد الرحيم أحمد
مهندس بيئي من العراق
مقدمة:
مما لا شك فيه أن أزمة التغير المناخي باتت من أكبر التحديات التي تواجه العالم اجمع ، و خاصة في المناطق الأكثر عرضة للجفاف والتصحر مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تعاني دول مثل العراق، السعودية، مصر، والأردن من آثار بيئية مدمرة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، نقص الموارد المائية، وزيادة معدلات التلوث. لذلك، أصبح البحث عن حلول مستدامة أمرا لا بد منه ، ومن هنا جئت بمبادرة “شجرة لكل مولود ” .
الأزمة البيئية وتأثيراتها على العراق والشرق الأوسط
سنوياً يولد في العراق أكثر من 900 ألف طفل، بحسب الاحصائيات الرسمية لوزارة التخطيط العراقي مما يزيد من الضغط السكاني وهو ما يترتب عليه العديد من المشاكل والتحديات على كافة الاصعدة وعلى رأسها الجانب البيئي والصحي فالعراق يعد من اكثر البلدان حرارة في العالم مع قلة منسوب الرافدين العظيمين دجلة والفرات وزيادة معدلات تلوث الهواء ولذلك يجب ان تكون هناك استراتيجيات واضحة لمكافحة التغير المناخي في العراق والا ستكون العواقب وخيمة . أما في مصر، فتواجه البلاد فقدانًا سنويًا لأكثر من 30,000 فدان من الأراضي الزراعية بسبب التصحر (وزارة الزراعة المصرية، 2023). في السعودية، ترتفع درجات الحرارة في بعض المناطق إلى أكثر من 50 درجة مئوية خلال فصل الصيف، مما يزيد من الطلب على المياه بنسبة 30% (وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، 2023).
جفاف هنا ، وفيضانات هناك .. هجرات بيئية متزايدة و مؤشرات تنذر بأن القادم لن يكون سهلاً اذا لم تكن لنا وقفة جادة للتصدي لكل التحديات المناخية ..
وبعد كل هذا هل بقي لنا امل؟
ان الامرسهل مستصعب وهو يمكن ان يتلخص في عبارة واحدة ” شجرة لكل مولود ”
الحل يكمن في مبادرة “شجرة لكل مولود”، والتي تقوم على فكرة زراعة شجرة لكل طفل يولد، بحيث تحمل الشجرة اسمه وتُزرع في حديقة المنزل، الحي، المدرسة، أو أي مكان عام قريب لضمان استدامة الرعاية والسقي. المشكلة الأساسية في مشاريع التشجير ليست الغرس وإنما المتابعة، ولذلك تعتمد هذه المبادرة على إشراك الأسر والمجتمع لضمان نجاحها.
التأثير المتوقع للمبادرة
بيئيًا: زراعة ملايين الأشجار سنويًا ستساعد في تقليل ثاني أكسيد الكربون وتحسين جودة الهواء، مما يسهم في خفض درجات الحرارة وترطيب الجو. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، فإن كل شجرة ناضجة يمكنها امتصاص حوالي 22 كغم من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
اجتماعيًا: تعزيز الوعي البيئي بين الأطفال والمجتمع، حيث ينشأ الطفل وهو مسؤول عن شجرته، مما يخلق ارتباطًا عاطفياً بالطبيعة ويعزز من وعيه البيئي بعمر مبكر.
اقتصاديًا: التكلفة الاقتصادية لهذا المشروع شبه معدومة، حيث ان سعر غرس شجرة غير مكلف ابدا ويمكن تنفيذها بأساليب بسيطة وفق المتاح .
أعظم هدية مستدامة
لا تعد هذه المبادرة مجرد مشروع بيئي او مقالة ادبية يستحسنها القارئ ثم ينصرف بعد قرائتها الى يومياته دون ان يتخذ خطوة عملية حقيقية تساهم في مواجهة التغير المناخي ، بل تمثل خطوة سهلة وعملية يمكن تطبيقها من هذه اللحظة وهي تعتبر اعظم هدية مستدامة يهديها الاب لابنه او ابنته بعد ولادته مباشرة و تأثيراتها يمتد عبر الأجيال. إن نشأة الطفل وهو يدرك أن لديه شجرة تحمل اسمه، يتابع نموها ويهتم برعايتها بشكل مستمر ، ستنمي لديه روح المسؤولية والارتباط العاطفي بالطبيعة. هذا التأثير النفسي الإيجابي سيساهم في بناء أجيال أكثر وعياً بأهمية البيئة والحفاظ عليها. علاوة على ذلك، فإن هذه المبادرة تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، وبالاخص الأهداف المتعلقة بالحفاظ على البيئة، الاستدامة، وتخفيف آثار التغير المناخي. من خلال التشجير المستدام، ستساعد هذه المبادرة في تحقيق الهدف 13 (العمل المناخي) والهدف 15 (الحياة في البر)، مما يعزز من التوازن البيئي ويحسن جودة الحياة للأجيال القادمة.
كيف ستساهم هذه المبادرة في مواجهة التغير المناخي في العراق والشرق الأوسط؟
تعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق في العالم عرضة للتغير المناخي، حيث تعاني من ارتفاع درجات الحرارة، ندرة المياه، والتصحر والجفاف. من خلال تطبيق مبادرة “شجرة لكل مولود”، يمكن تحقيق تأثيرات إيجابية مباشرة على المناخ المحلي في العراق والدول المجاورة:
تقليل درجات الحرارة: تساعد الأشجار في توفير الظل وتقليل درجات الحرارة في المناطق الحضرية، مما يحد من تأثير موجات الحر وترطيب الجو.
تحسين جودة الهواء: الأشجار تمتص الملوثات وتنتج الأكسجين، مما يساهم في تقليل معدلات التلوث الهوائي وتحسين الصحة العامة .
مكافحة التصحر: زراعة الأشجار في المناطق القاحلة والحدودية يمكن أن تقلل من زحف الصحراء، وتحافظ على التربة من التآكل.
الحفاظ على الموارد المائية: من خلال اختيار أنواع الأشجار المقاومة للجفاف، مثل الزيتون والسدر، يمكن تنفيذ هذه المبادرة بأقل استهلاك للمياه كما يمكن الاستفادة من تجميع مياه الامطار في السقي من خلال تجميعه عبر خزانات خاصه واستخدامه للسقي لاحقاً.
دراسات حالة: كيف يمكن للبلدان الأخرى الاستفادة؟
مصر:
تعاني مصر من تراجع الأراضي الزراعية بسبب التوسع العمراني والتصحر، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة في المدن الكبرى مثل القاهرة. الا ان مبادرة “شجرة لكل مولود” يمكن ان تساهم في زيادة الغطاء النباتي في المناطق الحضرية، مما يساعد في تحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة بنسبة تصل إلى 3-5 درجات مئوية.
الأردن:
يواجه الأردن مشكلة نقص المياه الان انه بالامكان تنفيذ هذه المبادرة باستخدام تقنيات ري حديثة مثل الري بالتنقيط وزراعة الأشجار المقاومة للجفاف، مثل شجرة الزيتون، التي تلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على التربة.
السعودية:
أطلقت السعودية مشروع وطني يهدف إلى زراعة ملايين الأشجار في العاصمة الرياض وبقية محافظات المملكة لمواجهة التحديات المناخية. يمكن دمج مبادرة “شجرة لكل مولود” مع هذه المشاريع الوطنية لتعزيز الغطاء النباتي، مما يساعد في خفض درجات الحرارة في المدن الحارة وتقليل تأثير العواصف الرملية.
الإمارات:
بفضل جهودها البيئية، يمكن للإمارات تبني هذه الفكرة ضمن برامجها البيئية المستدامة، حيث يمكن أن تساهم في زيادة المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، مما يحسن جودة الحياة لسكانها.
آلية التنفيذ
إدراج الشجرة في بيان الولادة: عند إصدار شهادة الميلاد، يتم تسجيل شجرة باسم الطفل مع تحديد موقعها.
توفير خيار الزراعة الذاتية أو الدفع البديل: يمكن للأهل زراعة الشجرة بأنفسهم أو دفع بدل مادي بسيط للدولة لتتولى زراعتها والاشراف على متابعة سقيها.
إنشاء تطبيق رقمي لمتابعة المشروع: يتم تسجيل معلومات الشجرة في تطبيق حكومي، بحيث يُمكن تتبع موقعها ورعايتها وتسجل باسم الطفل.
إشراك المدارس والمجتمعات المحلية: يمكن إدراج حصص دراسية عن أهمية الأشجار وتأثيرها البيئي، وتحفيز الطلاب على العناية بالأشجار المزروعة والقيام بحملات زراعة مدرسية جماعية لتعليم الطلاب كيفية زراعة الاشجار بشكل عملي وطريقة العناية بها وتأثيرها على المدينة والمناخ.
التعاون مع المنظمات البيئية: يمكن إشراك منظمات مثل الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والمنظمات غير الحكومية المحلية في دعم ورعاية هذه المبادرة والتوعية والترويج لها لكي تصل الى جميع فئات المجتمع .
الخاتمة: نحو مستقبل أخضر عالمي
انا مدرك تماماً ان لن هذه المبادرة البسيطة لن تحل جميع المشاكل البيئية بين يوم وليلة، لكنها خطوة كبيرة نحو بيئة أفضل. من خلال زراعة الأشجار، يمكن تحسين جودة الحياة، والحد من التلوث، وتقليل آثار التغير المناخي في العراق والشرق الاوسط. إن تعميم هذه المبادرة على مستوى العالم، وخاصة في الدول التي تعاني من التغير المناخي، سيسهم في خلق تأثير بيئي إيجابي هائل. تبني الحكومات والشعوب لهذه الفكرة سيجعل من مدننا أماكن أكثر خضرة وصحة للأجيال القادمة.
وختاماً لا تنسى ان شجرة واحدة تغرسها لابنك في ساعة ولادته قد تكون اعظم هدية مستدامة في حياته .
المصادر:
برنامج الأمم المتحدة للبيئة (2023
وزارة التخطيط العراقية (2024(
وزارة الزراعة المصرية (2023(
وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية (2023)
منظمة الأغذية والزراعة (FAO)