في العقود الأخیرة، أصبح التغیر المناخي من أكبر التحدیات التي تواجھ البشریة، ولا سیما في المناطق الحضریة .فالمدن، بحكم كثافتھا السكانیة وبناھا التحتیة المعقدة، أصبحت أكثر عرضة للظواھر المناخیة القاسیة كارتفاع درجات الحرارة، الفیضانات، والعواصف الرملیة .وتواجھ المدن العربیة خصوصا تحدیات مضاعفة، نتیجة موقعھا الجغرافي الحساس، ووتیرة التوسع العمراني السریعة، ونقص الاستثمارات في البنیة التحتیة المستدامة .وعلیھ، فإن السؤال الذي یفرض نفسھ بإلحاح ھو :كیف یمكننا تعزیز قدرة مدننا العربیة على الصمود في وجھ ھذا المستقبل المناخي المتطرف؟
أولا :فھم حجم التھدید
ُبعض المدن العربیة من بین الأكثر تأثرا بالظواھر المناخیة في العالم . ،فمثلا تعاني مدینة ً، فیما تواجھ جدة والدوحة البصرة في العراق من موجات حرارة تتجاوز 50 درجة مئویة صیف
ًا متزایدًا مع ًا ھوائیمخاطر فیضانات مفاجئة بسبب ضعف أنظمة التصریف .وتشھد القاھرة تلوث انخفاض جودة الحیاة، في حین تعاني مدن مغاربیة مثل الجزائر وتونس من التصحر المتسارع .أما بیروت، فتعاني من تآكل السواحل نتیجة ارتفاع مستوى سطح البحر، فیما تواجھ مدینة عدن في الیمن تحدیات حقیقیة بسبب الأعاصیر الموسمیة وارتفاع منسوب المیاه، وھو ما یھدد الأمن الغذائي .والاقتصادي على حد سواء
ًا :التخطیط العمراني المستدام ثانی
للتخفیف من آثار التغیر المناخي، لا بد من تبني نھج تخطیط عمراني جدید، یراعي الاستدامة والمرونة .فالتوسع العمراني العشوائي یؤدي إلى تدھور الغطاء النباتي، وزیادة الجزر الحراریة، وضعف التصریف المائي .في المقابل، یمكن للتخطیط الذكي أن یحّول المدن إلى كیانات أكثر قدرةُطلقت مبادرة “الریاض الخضراء “التي تھدف إلىعلى التكیف .في العاصمة السعودیة الریاض، أ زراعة ملایین الأشجار وتحویل المدینة إلى واحدة من أكثر المدن استدامة في المنطقة .وفي مدینة الدار البیضاء، تم العمل على إعادة تصمیم بعض الأحیاء الشعبیة لتشمل شبكات صرف مطري ُحسن من جودة الھواء.حدیثة ومساحات خضراء تمتص الحرارة وت
ثالث :الحلول القائمة على الطبیعة ًا
ًا في تعزیز قدرة المدن على الصمود .فاستعادة المناطق الرطبة،تلعب الطبیعة دو ًرا محوری
وزراعة الغابات الحضریة، وإنشاء المساحات الخضراء، یمكن أن تقلل من تأثیر الحرارة، وتحسن ُفذت مبادرات لتحویل الأراضيجودة الھواء، وتمتص میاه الأمطار .في تونس العاصمة، ن
المھجورة إلى حدائق مجتمعیة، حیث تشارك العائلات في الزراعة الحضریة وتدویر المخلفات العضویة، ما ساعد على تحسین التماسك الاجتماعي إلى جانب الفوائد البیئیة .وفي بیروت، بدأت
بعض الجمعیات الأھلیة في زراعة أسطح المباني بالنباتات العازلة للحرارة، وھي مبادرات بسیطة .لكنھا فعالة في تقلیل تأثیر الجزر الحراریة
ًا :التكنولوجیا الذكیة كأداة دفاع رابع
ً بل ضرورة حتمیة .أنظمة الإنذار المبكر للفیضانات أصبحت المدن الذكیة خیا ًرا لا ا،
ترف
والعواصف، مراقبة جودة الھواء، وتطبیقات إدارة الطاقة، یمكن أن تلعب دو ًرا حاس ًما في تقلیل الأخطار المناخیة .تعمل دبي على تطویر أنظمة نقل كھربائیة وذاتیة القیادة، للحد من انبعاثات أ منصات رقمیة لرصد جودة الھواء ُ الكربون وتحسین جودة الھواء .وفي عمان الأردنیة، طلقت
ًا .كما أن المباني الذكیة المزودة بحساسات حرارة وتطبیقاتوتوجیھ السكان إلى مناطق أقل تلوث
ُستخدم الآن في بعض المجمعات الحدیثة في الكویت وأبوظبي، ما یساھم في تقلیلتحكم بالطاقة ت
.الاستھلاك وتحسین الكفاءة الطاقیة
خام ًسا :السیاسات والإرادة السیاسیة
یبقى العامل الحاسم في نجاح أي استراتیجیة مناخیة ھو وجود إرادة سیاسیة واعیة، تدعم السیاسات البیئیة، وتستثمر في البنیة التحتیة، وتضع تشریعات ملزمة للتنمیة المستدامة .أطلقت المغرب استراتیجیة مناخیة وطنیة تھدف إلى خفض الانبعاثات بنسبة 45 %بحلول عام ،2030 بالتوازي مع مشاریع الطاقة الشمسیة والریاح الكبرى مثل مشروع نور في ورزازات .أما مصر، فقد وضعت خطة متكاملة للتكیف مع المناخ حتى عام ،2050 تشمل تطویر أنظمة الإنذار المبكر، وتحصین المناطق الساحلیة من التآكل وارتفاع البحر .ومع ذلك، لا تزال العدید من المدن العربیة .بحاجة إلى إطار تشریعي متكامل ومیزانیات واضحة لتطبیق الحلول المناخیة
ساد ًسا :دور الشباب والمجتمع المدني
یمثل الشباب العربي طاقة كامنة یمكن توظیفھا في التوعیة والتنفیذ العملي لمبادرات التكیف المناخي .في لبنان، نظمت مجموعة من طلاب الجامعات حملات لجمع البیانات حول درجات الحرارة داخل الأحیاء السكنیة، لعرضھا على البلدیات ضمن مشروع لتحسین التھویة الحضریة . ًا للتبلیغ عن النقاط السوداء للتلوث، ما سمح للسلطات وفي الجزائر، أطلقت جمعیة شبابیة تطبیق
المحلیة بالتدخل السریع وتنظیف تلك المناطق .في السودان، یعمل شباب متطوعون على تركیب وحدات طاقة شمسیة في القرى الطرفیة، مما یخفف العبء على المدن ویعزز من صمود .المجتمعات الریفیة.
ًا :بناء الوعي المجتمعي سابع
لا یمكن لأي مدینة أن تصبح أكثر صمودًا دون وعي سكانھا .فالسلوكیات الیومیة، مثل تقلیل استھلاك المیاه، وإعادة التدویر، واستخدام وسائل النقل المستدامة، ھي عناصر أساسیة في المعركة المناخیة .ویجب أن تبدأ ھذه الثقافة من المدارس ووسائل الإعلام، مع دعم حكومي للمبادرات المحلیة التي تسعى لتغییر الأنماط الاستھلاكیة .المبادرات المجتمعیة مثل المقاھي البیئیة، والمزارع الحضریة، وتطبیقات مشاركة السیارات، كلھا أدوات لبناء مجتمع مدني واع یشارك في الحلول لا في المشكلة.
خلاصة
خلاصة
ًا معا ًشا في مدننا الیوم .وللتصدي لھ، نحتاج إلىًا، بل واقعإن التغیر المناخي لم یعد خط ًرا مستقبلی تغییر جذري في طریقة تصمیم مدننا وإدارتھا، یستند إلى التخطیط المستدام، والتكنولوجیا، والطبیعة، والسیاسات الطموحة، والمجتمع الواعي .إن كل مبادرة صغیرة، سواء كانت شجرة ُطلق، تمثل لبنة في بناء مدینة المستقبل :مدینة ُصمم بعنایة، أو حملة شبابیة تُزرع، أو مبنى یت .خضراء، ذكیة، وقادرة على الصمود في وجھ التغیر المناخي
:المراجع
.تقریر التقییم السادس، 2021 ،(IPCC (الھیئة الحكومیة الدولیة المعنیة بتغیر المناخ 1. .المدن والمناخ”، 2020″ ،(Habitat-UN (برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشریة 2. .البنك الدولي، “التغیر المناخي في الشرق الأوسط وشمال أفریقیا”، 2022 3. .وزارة البیئة والمیاه والزراعة السعودیة، مبادرة الریاض الخضراء، 2023 4. .وزارة الطاقة المغربیة، مشروع نور للطاقة الشمسیة، 2022 5.
.منصة بلدیة دبي للمباني الذكیة، 2024 6.
.جمعیة الشباب من أجل المناخ – الجزائر، 2023 7.
.تقریر مصر 2050 للتكیف مع التغیر المناخي 8.
9. Nature Sustainability، Urban resilience in Arab cities، 2021.


