مقدمة
الأحداث المناخية المتطرفة هي إحدى نتاجات التغيرات المناخية والتي لوحظ تكرارها بشكل مشهود وموثق خلال السنين الأخيرة حول العالم، تلعب المدن دوراً جوهريا في قضية المناخ الحضري، يتعلق بدورها في التأثير والـتأثر بهذه الأحداث المناخية المتطرفة اذ أنها تتأثر بشكل خاص بالفيضانات، ارتفاع درجات الحرارة داخل المدن أو ما يعرف حديثا بالجزر الحرارية، الجفاف، ارتفاع مستويات البحر، الرياح الشديدة وغيرها من التمظهرات المناخية التي تؤثر بصورة كبيرة وواسعة على المدن وأنسان المدينة، خلال الأعوام 1970-2021 سجلت أكثر من 12 ألف حدث مناخي متطرف، قدرت الخسائر البشرية الناجمة عن الأحداث المناخية بما يقارب 2 مليون حالة وفاة، 90% من هذه الحالات المسجلة كانت في الدول النامية، وجاءت الخسائر الأقتصادية بأرقام تعتبر كبيرة جدا ومقلقة اذ فاقت 4.3 تريليون دولار و تعتبر في أرتفاع مستمر وفقا للمنظمة العاليمة للأرصاد الجوية (WMO 2023). هذه الأحصائيات المخيفة والمقلقة جدا تبرز الحاجة الملحة لفهم هذه الأحداث المناخية ومحاولة الوصول إلى أليات وعمليات تمكن من التخفيف والتكيف معها خاصة في دولنا النامية.
ما هي المشكلة ؟
تشير كثير جدا من الدراسات والبيانات المتعلقة بحالة الهشاشة والضعف المتعلقة بالتغيرات المناخية ومألاتها إلى الدول العربية، اذ انها أشد وأكثر حوجة لفهم الأحداث المناخية المتطرفة، أن ارتفاع سطح البحر لمتر واحد يؤثر على3.2% من سكان هذه المناطق وفقا للتقرير المنشور في منتدى البحوث الأقتصادية (ERF 2024)، بالتالي، في ظل في سيناريوهات مثل هذه مع ضعف البنية التحتية في دولنا العربية في مواجهة هذه الأحداث المناخية تعتبر مشكلة تثير القلق و يجب الأهتمام بها و تفكيكها وتعميمها على سائر سيناريوهات التغيرات المناخية.
الوضع الراهن
يمثل الوضع الراهن الأن تحديا غير مسبوق للمدن العربية في ظل ارتفاع درجات الحرارة في مدن مثل الرياض وبغداد و الكويت وغيرها من المدن اذا أن تقرير البنك الدولي الصار في العام 2023 يتوقع زيادة تمثل 2-5 درجة مئوية، مع العلم أن درجات الحرارة فيها تصل الى نصف درجة الغليان أحياناً، مما يجعلها تحت الجهد الحرار والأستهلال المفرط للطاقة الكهربائية وهنالك مدن أخرى مثل الخرطوم وجدة شكلت الفيضانات كارثة مستمرة على مدى السنين الحديثة، اذا انه بشكل يعتبر شبه سنوي تتعرض لفيضانات مدمرة وخسائر اقتصادية كبيرة جدا ، بالأضافة، إلى أن مدن اخرى مثل اسكندرية والدار البيضاء يشكل فيها ارتفاع مستوى سطح البحر خطرا من ناحية تأكل السواحل وتسرب المياه المالحة وبالتالي هذا ما ظهر جليا في مدينة مثل الاسكندرية، حيث أنه سنويا ينهار أكثر من 40 عقارا وفقا لدراسة في بداية العام الجاري قدمها عدد من العلماء (Fouad et al. 2025)
في ذات السياق، الوضع الراهن للتخطيط الحضري للمدن العربية، تشهد هذه المدن نموا حضريا متزاديا سواء بصورة رسمية أو غير رسمية، هذا النمو المتزايد مقرونا بالزيادة السكانية غير المنظمة والهجرات الداخلية الواسعة من الأرياف الى المدن وغيرها من العوامل المرتبطة بالزيادة السكانية داخل هذه المدن ، اذا أن مشاكل مثل النمو العشوائي أصبحت ايضا متزايدة خاصة في مناطق مثل الخرطوم والقاهرة والجزائر وفي ظل غياب الرقابات، نقص الخدمات، ضعف البنى التحيتة و التخطيط غير الكافي ( inadequate planning) تزامنت هذه المشاكل مع خطر حصار التغيرات المناخية للمدن العربية مما يجعل الجهد مضاعفاً للحفاظ على المدينة وانسان المدينة.
ما هو الحل ؟
مع واقع التغيرات المناخية، أصبح واضحا للكل سواء المواطن العربي البسيط أو للذين هم في مراكز القرار أن التغيرات المناخي أصبحت واقعاً مفروضاً علينا يجب التعامل معه بصورة جدية وتشاركية مستدامة لتشكيل واقع جديد يمكن فيه للمدن العربية الصمود في مواجهة هذه التغيرات المناخية وتبعاتها.
هنالك كثير جدا من الحلول التي يمكن تقديمها لمجابهة التغيرات المناخية سواء لمحاولة التخفيف أو التكيف والمرونة، يمكننا تقسيم الحلول الى ثلاث اجزاء أساسية قد تشكل بداية جيدة لفهم هذه المشكلات مما يعزز من أمكانية التعامل معها.
الحلول القائمة على الطبيعة:
يمكن استخدام حلول طبيعية قد توفر حلا مستدام للمدن العربية في مواجهة هذه الازمات المناخية وهي كالتالي:
- زيادة المساحات الخضراء: زراعة الأشجار، زيادة المساحات الخضراء بصورة عامة واسقف المنازل والجدران بصورة خاصة قد تكون أكثر الحلول الطبيعة استدامة اذ أنها تعمل على خفض درجة الحرارة و تنظيم المناخ على المستوى المحلي، وتقلل ايضاء من تلوث الهواء كما تعمل كمصد للرياح وتمكن من امتصاص مياه الأمطار لمنع الجفاف الذي يحدث عن الأمتصاص غير الفعال أو تبخرها دون الأستفادة منها، كما يمكن نقل تجربة لشبونة في جعل الأسقف المنزلية خضراء، شرعت دول عربية مثل السعودية في مثل هكذا اجراء مثل مشروع مليون شجرة وغيرها من المبادرات الخضراء، بالتالي يمكن تعميم التجربة على كثير من المدن العربية.
صورة لمدينة لشبونة البرتغالية توضح الأسقف الخضراء، مصدر الصورة الصحيفة الانجليزيةThe independent
2. استعادة الأراضي الرطبة : عملية استعادة الأراضي الرطبة مساهمة وفعالة جدا في عملية الحد من الجفاف وتنظيم المناخ المحلي وايضا في عملية امتصاص المياه الفائضة في حالة الفيضانات، بالأضافة الى انها تعمل على تعزيز التنوع الحيوي وكثير جدا من الفوائد الأقتصادية الاخرى، هنالك تجارب ممتازة في الدول العربيةـ على سبيل المثال لا الحصر مشروع اهور العراق وواحة الاحساء في السعودية.
3. استبدال القنوات الخرسانية بالدفاعات والقنوات الطبيعية: قد يكون هذا الاجراء فعال جدا في الحد من خطورة الفيضانات كمل حدث لنهر كوغي في لندن، حيث يتم استبدال القنوات الخرسانية بقنوات طبيعية تمكن من امتصاص المياه الفائضة ويمكن أن ينجح بالتأكيد في مدن مثل الخرطوم باعادة تأهيل ضفاف النيل وفي جدة وغيرها من المدن الهامة.
2. الحلول المادية والتقنية:
- التخطيط الحضري المستدام للمنازل : المتمثل في تصميم المنازل المقاومة لتغيرات للمناخ، اذ انه يمكن الأستفادة من هذه المنازل في تجميع مياه الأمطار مثل عملية حصد المياه من سقوف المنازل، بالأضافة الى امكانية العمل بالطاقة الشمسية وتقليل الأعتماد على الكهرباء، اذا انه يمكن أيضا جعلها أقل حساسة للحرارة وفي ذات الوقت أقل حساسية للرطوبة و امتصاص مياه الأمطار والفيضانات، كما يمكن أيضا تخطيط المناطق العشوائية بيما يتوافق مع مرور الرياح وتصميها بشكل مرن يمكن أن يكون له فعالية ممتازة. اذ ان التخطيط الحضري المستدام لا يساعد فقط في التكيف مع التغيرات المناخية ووالمكاسب الاقتصادية بل يضمن أيضا لنا العدالة والمساواة الاجتماعية للمجتمعات اذ انه يجعل الجميع شركاء في ذات الموارد والخدمات وضمان استمرارية الخدمات حتى في حالات الطواريء.
- حماية المدن الساحلية من الفيضانات : استخدام الحواجز الخرسانية منخفضة الكربون وذات المقاومة العالية لتأكل السواحل قد يعطي حلول ذات كفاءة خاصة اذا تمت دراستها بصورة ممتازة لتقليل الأثار البيئية، هنالك تجربة تعتبر جيدة في سواحل مدينة الاسكندرية، اذا تم استخدام الحواجز الخرسانية لتقيل فرصة الفيضانات الساحلية وحماية الشواطيء.
الصورة للحواجر الخراسانية في مدينة الأسكندرية، التقطت عبر الكاتب
3. أنظمة الأنذار المبكرة: في تقرير منشور في العام 2022 لمنظمة الأمم المتحدة لدرء مخاطر الكوارث (UNDDR) فقط 23% من الدول العربية لديها أنظة انذار مبكر فعال وهو نسبة ضئيلة جدا وضعيفة مقارنة ببقية الأقاليم والدول ومع التطور التوكنولوجي المذهل والمتسارع في عالم اليوم، اصبح من السهل جدا ابتكار انظمة تكنلوجية تساعد في الأخطار المبكر من الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات أو العواصف الرياحية وغيرها من الأنماط الطقسية المختلفة، عملياً، يمكن استخدام برامج مثل نظام قوقل Floodhub في توقع الفيضانات في أمريكا هنالك نظام يسمى IBM’s GRAF هذا النظام يقوم بتوقع الاعاصير قبل اسبوع من حدوثها، يمكن استخدام أنظمة ممثالة في مدن مثل بغداد التي تعاني من عواصف شبه سنوية، هنالك الكثير من الأنظة الذكية التي يمكن أن تستخدم مثلا في ارسال رسائل نصية على الهاتف، بالتالي تساعد في تقليل خطر الكوارث الطقسية فلا بد للمدن العربية أن تعمل جاهدة في نقل هذه الأنظمة العالمية من أجل التخفيف هذه المخاطر المناخية.
3. حلول قائمة على سياق السياسات :
عملية التكيف مع التغيرات المناخية والأحداث المناخية المتطرفة تتطلب سياسات قوية ومرنة في ذات الوقت لتشكل جزء من الحلول المطروحة على ارض الواقع، يمكن ان تشكل جزءا من السياسات مثل سياسة الاعفاءء الضريبي للمباني المتوافقة مع معايير التكيف جزء من الحل كما يمكن أيضا أستخدام سياسة الدعم المالي للمشاريع الناشئة الصغيرة للشباب والمجتمعات التي تساعد في استخدام واستكشاف حلول محلية متوافقة للمجتمعات بغرض التكيف والتخفيف من بعض الأثار المحتملة لهذه المخاطر، بالأضافة الى السياسات المتعلقة بالحوكمة المجتمعية واشراك المجتمعات المحلية في القرار لكي ينظروا الى المشكلة باعتبارها مشكلتهم ومشكلة حقيقية وليست مشكلة فقط تخص الجهات ذات القرار وبالتالي هم المنوط بهم حلها، بل يجب اشراكهم في اكتشاف الحلول والتخطيط والتشجيع على المبادرات الصغيرة والواسعة من أجل المجتمع.
خاتمة
المدن العربية تعاني من المشاكل المتزايدة يوما بعد يوم، أن قضايا مثل قضية المناخ لا بد أن تكون من أهم القضايا التي يجب أن تنظر اليها المجتمعات العربية بصورة حقيقة تمكنهم من فهم العالم والى أين يمضى العالم وماهو دورهم في هذا العالم، يجب النظر اليها كقضية تهدد حياتهم الصحية والأجتماعية والأقتصادية، خاصة المتمثلة في كسب سبل العيش، وهذا الدرو يتطلب جهدا كبيرا من الجهات ذات القرار بالنظر باهتمام وجدية لقضية المناخ، أيضا منظمات المجتمع المدني ( المنظمات غير الحكومية) والتي اراها تلعب أدوارا خيرية بدلا من التأثير في المجتمعات، يجب بصورة عامة العمل على المجتمعات لتغير فكرتهم عن التغير المناخي وأن يشعروا بحساسية الموضوع وبالخطر الحقيقي وبالتالي يمكن أن تبدأ بعض الحلول العمل بكفاءة خاصة أن اغلب الحلول تتطلب وعيا جوهريا بقضة التغير المناخي.
-محمد رزق محمد أحمد



