الفرصة الآن لكي يصير المناخ المحرك الدافع للسلام المستدام

الفرصة الآن لكي يصير المناخ المحرك الدافع للسلام المستدام

ياسمين حمدي محمد حسين

تأثير تغير المناخ على السلام العالمي

تغير المناخ يمثل تحديًا عالميًا يؤثر على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك السلام والأمان. يؤدي تغير المناخ إلى زيادة التوترات حول الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، مما يزيد من خطر النزاعات. تُعرف هذه النزاعات بـ “الحروب المناخية”، حيث يتنافس الناس على الموارد الشحيحة، مما يؤدي إلى نزوح جماعي للسكان. ووفقًا لمنظمة الهجرة الدولية (IOM)، فإن أكثر من ٣٠ مليون شخص نزحوا داخليًا بسبب الكوارث في عام 2020، وكانت الغالبية العظمى منهم في الدول النامية. كما تقدر البنك الدولي أن هناك أكثر من ٢١٦ مليون مهاجر مناخي داخلي بحلول عام ٢٠٥٠ عبر ست مناطق، مع ما يقرب من ٤٠% منهم في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. هذه الأرقام تسلط الضوء على المخاطر الكبيرة للهجرة المناخية والحروب المناخية.

تغير المناخ يعمل كمضاعف للتهديدات، حيث يزيد من حدة التوترات الموجودة ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الهشة، مما يزيد من احتمالية النزاعات. النزاعات على الموارد يمكن أن تؤدي إلى نزوح جماعي للسكان، مما يزيد من الضغط على الدول المجاورة ويخلق تحديات جديدة للأمن والاستقرار.

أيضًا، وفقًا لتقرير متحدون في العلم عام ٢٠٢١ “United in Science 2021” الصادر عن منظمة الأرصاد الجوية العالمية (WMO) بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى، فإن تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي تستمر في الارتفاع بمعدلات قياسية، مما يلتزم الكوكب بمزيد من الاحترار الخطير في المستقبل. التقرير يشير إلى أن درجات الحرارة العالمية المتزايدة تؤدي إلى أحداث طقس متطرفة مدمرة في جميع أنحاء العالم، مع تأثيرات متزايدة على الاقتصادات والمجتمعات. فقد تم فقدان مليارات ساعات العمل بسبب الحرارة وحدها.

تأثير تغير المناخ على المنطقة العربية

المنطقة العربية ليست بمنأى عن تأثيرات تغير المناخ. تعاني العديد من الدول العربية من ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤثر على الزراعة والأمن الغذائي. هذه التحديات تزيد من التوترات حول الموارد وتزيد من خطر النزاعات. وفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي واحدة من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات تغير المناخ. من المتوقع أن تشهد المنطقة زيادة في درجات الحرارة وانخفاض في هطول الأمطار، مما سيؤدي إلى تفاقم ندرة المياه وزيادة التوترات حول الموارد. تغير المناخ يؤثر أيضًا على الصحة العامة في المنطقة العربية. ارتفاع درجات الحرارة يزيد من خطر الأمراض المرتبطة بالحرارة مثل ضربة الشمس والجفاف. كما أن زيادة تواتر الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات تؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا. هذا إلى جانب أن تغير المناخ يؤثر أيضًا على الهجرة في المنطقة العربية. فالعديد من السكان قد يضطرون إلى النزوح بسبب الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف. هذا النزوح يزيد من الضغط على البنية التحتية والخدمات في الدول المضيفة، مما يخلق تحديات جديدة للأمن والاستقرار.

وفقًا لتقرير حالة المناخ في أفريقيا “State of the Climate in Africa 2023” الصادر عن منظمة الأرصاد الجوية العالمية (WMO)، فإن الدول الأفريقية على سبيل المثال، تخسر ما بين ٢-٥% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الكوارث المناخية، وتخصص ما يصل إلى ٩% من ميزانياتها للاستجابة لهذه الكوارث. في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تقدر تكلفة التكيف مع تغير المناخ بما يتراوح بين ٣٠-٥٠ مليار دولار سنويًا على مدى العقد المقبل

مؤتمر الأطراف ٢٩ في باكو: فرصة تاريخية للسلام المناخي

يمثل مؤتمر الأطراف ٢٩ (COP29) في باكو فرصة تاريخية للدول العربية لأول وثيقة ملزمة وهي إعلان المناخ من أجل السلام. هذا الإعلان يفترض أن يتضمن أول تعريف قانوني للمهاجرين المناخيين وأول لجنة للسلام المناخي. هذه اللجنة ستقود الجهود لمنع الحروب المناخية في المستقبل وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات المناخية.

أهمية إعلان المناخ من أجل السلام

إعلان المناخ من أجل السلام سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز الحوكمة العالمية لمواجهة التحديات المناخية. سيتضمن الإعلان أطر قانونية واضحة وآليات متابعة شفافة للتعامل مع احتماليات نشوب حروب المناخ عبر المشاركة الشاملة، مما سيعزز من المرونة والصمود لدى الدول وكذلك السكان المتضررين من تغير المناخ.

سوف يتضمن أول تعريف قانوني ملزم للمهاجرين المناخيين، هو يعد بذلك خطوة حاسمة في توفير الحماية والدعم لهذه الفئة المتزايدة من السكان. حتى الآن، لا يوجد تعريف معترف به دوليًا للمهاجرين المناخيين، مما يخلق فجوات في الحماية القانونية ويجعل من الصعب على الدول تحديد التزاماتها تجاه هؤلاء الأفراد. من خلال هذا الإعلان، يمكن للدول العربية أن تقود الجهود العالمية لتوفير إطار قانوني شامل يضمن حقوق المهاجرين المناخيين ويعزز من حمايتهم.

لجنة السلام المناخي

تأسيس أول لجنة للسلام المناخي يمثل تطورًا مهمًا في الجهود الدولية لمنع النزاعات المرتبطة بتغير المناخ. هذه اللجنة ستكون مسؤولة عن تنسيق الجهود الدولية والإقليمية لمواجهة التحديات المناخية وتعزيز التعاون بين الدول. ستعمل اللجنة على تطوير استراتيجيات وسياسات تهدف إلى منع النزاعات المرتبطة بالموارد الطبيعية وتعزيز الاستقرار في المناطق المتضررة من تغير المناخ.

اللجنة ستعمل أيضًا على تعزيز الوعي العام حول التحديات المناخية وأهمية العمل الجماعي لمواجهتها. ستقوم بتنظيم حملات توعية وبرامج تعليمية تهدف إلى زيادة فهم الجمهور لتأثيرات تغير المناخ وأهمية التعاون الدولي في مواجهتها.

تعزيز التعاون الإقليمي والدولي

الإعلان المناخي من أجل السلام سيساهم في تعزيز التعاون بين الدول العربية والدول الأخرى لمواجهة التحديات المشتركة. من خلال هذا الإعلان، يمكن للدول العربية أن تقود الجهود العالمية لتطوير سياسات شاملة ومستدامة لمواجهة التحديات المناخية. سيساعد الإعلان في توجيه الجهود نحو تطوير حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة التحديات المناخية وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.

تأثير الإعلان على السياسات الوطنية والإقليمية

الإعلان المناخي من أجل السلام سيكون له تأثير كبير على السياسات الوطنية والإقليمية. سيساعد في توجيه الجهود نحو تطوير سياسات شاملة ومستدامة لمواجهة التحديات المناخية. كما سيساهم في تعزيز التعاون بين الدول العربية والدول الأخرى لمواجهة التحديات المشتركة. أيضًا، الإعلان سيساهم أيضًا في تعزيز الوعي العام حول التحديات المناخية وأهمية العمل الجماعي لمواجهتها. سيساعد في توجيه الجهود نحو تطوير حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة التحديات المناخية وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.

وهذا الأمر من شأنه أن يعزز المشاركة الشاملة في عملية صنع القرار تعد عنصرًا أساسيًا في تعزيز الحوكمة العالمية لمواجهة التحديات المناخية. من خلال إشراك جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الشباب والمجتمعات المحلية، يمكن تطوير سياسات وحلول تكون أكثر استجابة لاحتياجات وواقع الفئات الأكثر تأثرًا بتغير المناخ.

في الختام، يمثل مؤتمر الأطراف ٢٩ في باكو فرصة تاريخية للدول العربية لتعزيز التعاون والعمل الجماعي لمواجهة التحديات المناخية. من خلال إعلان المناخ من أجل السلام، يمكن للدول العربية أن تقود الجهود العالمية لمواجهة التحديات المناخية وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. هذا الإعلان سيكون خطوة مهمة نحو تعزيز الحوكمة العالمية ومنع نشوب حروب المناخ، فضلا عن توفير الحماية والدعم للمهاجرين المناخيين، مما يساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وأمانًا للجميع.

 

المراجع

https://www.iom.int/migration-environment-and-climate-change

https://news.un.org/ar/story/2018/07/1012541

https://news.un.org/ar/story/2019/01/1026102

https://www.unep.org/explore-topics/climate-action/what-we-do/climate-action-note/state-of-climate.html

https://www.un.org/en/climatechange/reports

https://unfccc.int/news/un-agencies-present-latest-climate-science

https://www.international-alert.org/app/uploads/2021/09/Climate-Change-Conflict-Fragility-EN-2009.pdf

https://www.iom.int/news/iom-launches-institutional-strategy-migration-environment-and-climate-change-next-decade

https://academic.oup.com/book/7411

https://www.unhcr.org/media/no-24-protecting-people-crossing-borders-context-climate-change-normative-gaps-and-possible

https://www.unicef.org/environment-and-climate-change/migration

https://publications.iom.int/books/migration-environment-and-climate-change-assessing-evidence

https://publications.iom.int/books/global-migration-indicators-2021

https://dppa.un.org/ar/addressing-impact-of-climate-change-peace-and-security

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *